كتب صالح سالم من القاهرة عن لحظة فرح مشوبة بالقلق عاشها المصريون بعد إدراج طبق الكشري على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. شعر كثيرون بالفخر باعتراف عالمي بأكلة تمثل روح الشارع المصري، لكن سرعان ما ظهر سؤال سخيف: هل يقود هذا الاعتراف إلى رفع الأسعار وتحويل وجبة الفقراء إلى رفاهية بعيدة المنال؟

 

نقل تقرير العربي الجديد أصوات مواطنين وخبراء واقتصاديين حول أثر الاعتراف الدولي على طبق ظل لعقود رمزاً للبساطة والقدرة على الصمود في وجه الغلاء.

 

كشري الشعب

 

يحتل الكشري مكانة فريدة في الحياة اليومية للمصريين. يأكله العامل والموظف، الغني والفقير، الطالب ورب الأسرة. يُباع في عربات ملونة قرب المدارس ومحطات النقل، وتقدمه مطاعم متخصصة، كما يُحضَّر في البيوت ويُشارك في المناسبات الاجتماعية. يتكون من أرز ومكرونة وعدس وحمص وبصل مقلي، مع صلصات الثوم والطماطم الحارة، ويُعد وجبة نباتية مشبعة ومغذية.

 

أبرز التقرير أن اليونسكو لم تحتفِ بالوصفة فقط، بل بالمنظومة الاجتماعية المحيطة بها: الفلاحون الذين يزرعون المكونات، والطهاة والبائعون الذين يحفظون أسرارها، وحتى الحرفيون الذين يصنعون عربات البيع. يرى مختصون أن هذا التراث الغذائي يعزز التماسك الاجتماعي والشعور بالمساواة، لأن الجميع يجتمع حول طبق واحد بلا حواجز طبقية.

 

قلق مشروع وسط غلاء متصاعد

 

رغم الاحتفاء الرسمي، عبّر كثير من المصريين عن خوفهم من استغلال الاعتراف الدولي لرفع الأسعار. نقل التقرير شهادة عصام محمود، حارس أمن من القاهرة، الذي يعتمد على الكشري كوجبة يومية رخيصة. يخشى محمود أن يستغل التجار المناسبة لزيادة الأسعار، ما يدفع الفقراء إلى البحث عن بدائل أرخص تكاد تكون غير موجودة.

 

استند هذا القلق إلى تجربة مريرة مع موجات الغلاء التي ضربت مصر خلال السنوات الأخيرة. ارتفعت أسعار الغذاء بشكل حاد، وتضاعفت بعض السلع أربع مرات تقريباً. ساهم تعويم الجنيه، وتداعيات جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا في تآكل القدرة الشرائية، بينما بقيت الأجور شبه ثابتة. حذّرت خبيرة الاقتصاد عالية المهدي من انزلاق قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى نحو الفقر، مع تقلص قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية.

 

أطباق أصغر وأسعار أعلى

 

أوضح التقرير أن أسعار الكشري ارتفعت بالفعل قبل اعتراف اليونسكو بسنوات. لجأت مطاعم وباعة إلى تقليص حجم الوجبات مع تثبيت السعر، أو رفع السعر تدريجياً لمواجهة ارتفاع تكلفة المكونات. أشار محمد أنور، مدير المبيعات في سلسلة مطاعم كشري كبرى، إلى أن أسعار العدس والأرز والمكرونة والبصل لم تتوقف عن الصعود، ما ضغط على تكلفة الإنتاج.

 

رحّب العاملون في المجال بالاعتراف الدولي لأنه أعاد تسليط الضوء على قيمة مهنتهم، لكنهم لم يستبعدوا زيادات جديدة إذا استمر الغلاء. انعكس ذلك مباشرة على المستهلكين؛ فبعد أن كان عصام محمود يدفع 20 جنيهاً لطبق مشبع قبل خمس سنوات، صار يدفع 50 جنيهاً اليوم للكمية نفسها. عبّر عن قلقه من أن أي زيادة جديدة قد تجبره على التوقف عن شراء الكشري نهائياً.

 

يرسم التقرير مفارقة قاسية: يحتفي العالم بطبق مصري أصيل، بينما يخشى المصريون أن يفقدوا قدرتهم على الوصول إليه. يظل السؤال مفتوحاً حول قدرة الدولة والسوق على حماية الكشري كغذاء شعبي متاح للجميع، لا كرمز ثقافي فاخر يُقدَّم بسعر لا يطيقه من صنعوه وحافظوا عليه.

 

https://www.newarab.com/news/after-unesco-koshari-nod-will-egypt-gentrify-its-national-dish